بر الوالدين والإحسان إليهما
يعد بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، وقد بيّن الإسلام في العديد من نصوصه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أهميتهما البالغة. يُعتبر البر والإحسان إلى الوالدين من أسمى درجات الوفاء والاحترام التي ينبغي على الإنسان أن يتحلى بها تجاه من ربيانه وسهر على راحتهم طوال سنوات عمرهم. في هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على معنى بر الوالدين، أهميته في الدين الإسلامي، وأثره في حياة الإنسان والمجتمع، بالإضافة إلى بعض مظاهر البر والإحسان إليهما.
مفهوم بر الوالدين
بر الوالدين يعني الإحسان إليهما، وطاعتهما، وتقديم كل ما من شأنه إسعادهما وراحتهم. يشمل ذلك المعاملة الحسنة، والاعتراف بفضلهما، والإحسان إليهما في أقوالنا وأفعالنا، بالإضافة إلى تلبية احتياجاتهما مادياً ومعنوياً. كما يتضمن بر الوالدين الاعتناء بهما في حال ضعفهما وكبر سنهما، والقيام على خدمتهما في الأوقات التي يضعف فيها قواهما.
الإحسان إلى الوالدين لا يقتصر فقط على الطاعة المباشرة أثناء حياتهما، بل يمتد إلى الدعاء لهما بعد موتهما. وهذا يظهر من خلال العديد من النصوص القرآنية التي تحث على بر الوالدين بعد وفاتهما.
مكانة بر الوالدين في القرآن الكريم
يحتل بر الوالدين مكانة عظيمة في القرآن الكريم، حيث قرن الله سبحانه وتعالى البر بالوالدين بطاعته في كثير من الآيات. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23).
هذه الآية الكريمة توضح مدى أهمية بر الوالدين وتحث على معاملتهما بأحسن الطرق وأرقى الأساليب، خاصة عندما يكبران في السن ويصبحان في حاجة ماسة إلى الرعاية.
وفي سورة لقمان، ذكر الله تعالى أيضًا بر الوالدين في إطار التربية على مكارم الأخلاق، فقال:
“وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (لقمان: 14).
هذه الآية تشير إلى العلاقة الفطرية بين الإنسان ووالديه، وضرورة شكرهما على ما بذلاه من جهدٍ في رعايته وتربيته.
بر الوالدين في السنة النبوية
تعد السنة النبوية الشريفة مرجعًا مهمًا في تحديد كيفية بر الوالدين والإحسان إليهما، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث التي تؤكد على ضرورة البر بهما والقيام على خدمتهما.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” (رواه مسلم).
يظهر من هذا الحديث الشريف أن البر بالوالدين وتقديم كل ما هو ممكن من أجل راحتهم هو سبيل إلى دخول الجنة، وأن من يتكاسل عن هذا الواجب قد يحرم من هذه النعمة.
كما ثبت في الحديث: “إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى” (رواه البخاري).
وهذا يعني أن الإحسان إلى الوالدين لا يتوقف بعد موتهما، بل يستمر حتى بعد رحيلهم من الدنيا، إذ يتعين على الأبناء الاستمرار في الدعاء لهما والقيام على الأمور التي كانا يهتمان بها في حياتهم.
مظاهر بر الوالدين في الحياة اليومية
يظهر البر والإحسان إلى الوالدين في العديد من المواقف اليومية، وهو لا يتطلب فقط الطاعة في الأوقات العادية، بل يمتد ليشمل أيضًا الاهتمام بهما في الأوقات التي يحتاجان فيها إلى الدعم والرعاية.
-
التعامل بالكلام الطيب: من أهم مظاهر البر هو الكلام الطيب والرفق في المعاملة. ينبغي على الأبناء أن يظلوا يتحدثون مع والديهم بلطف واحترام، ويجب تجنب أي كلمات قد تؤذي مشاعرهما، حتى لو كان ذلك تحت ضغط الحياة اليومية.
-
القيام على خدمتهما: يشتمل البر على مساعدة الوالدين في شؤون الحياة اليومية، سواء كان ذلك في الأعمال المنزلية أو في تلبية احتياجاتهما المادية والمعنوية.
-
الدعاء لهما: الدعاء للوالدين بالرحمة والمغفرة بعد موتهما من أبرز صور البر والإحسان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم).
-
الاعتناء بهما في الشيخوخة: في مرحلة متقدمة من العمر، يحتاج الوالدان إلى رعاية خاصة. يجب أن يتفهم الأبناء الظروف التي يمر بها الوالدان في مرحلة الكبر وأن يقوموا بواجبهم في توفير الدعم اللازم لهما.
-
الاحترام والتقدير: قد لا يحتاج الوالدان دائمًا إلى خدمات مادية، لكنهما في حاجة دائمة إلى الإحساس بالاحترام والتقدير من أبنائهما. يتمثل البر هنا في الاستماع إليهما ومشاركتهم مشاعرهم وآرائهم.
بر الوالدين وتأثيره على المجتمع
تنعكس نتائج البر بالوالدين بشكل إيجابي على الفرد والمجتمع ككل. على مستوى الفرد، يحقق بر الوالدين رضا الله سبحانه وتعالى، ويسهم في زيادة حسناته، كما يعزز من علاقاته الاجتماعية والأسرية. من خلال الإحسان إلى الوالدين، يتعلم الأبناء كيف يكونون رحماء ومتعاونين، وهو ما يعزز الروابط الأسرية ويخلق بيئة مليئة بالحب والتعاون.
أما على مستوى المجتمع، فإن بر الوالدين يعزز من القيم الإنسانية الرفيعة مثل الاحترام، الصدق، والإخلاص. كما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويقلل من النزاعات الأسرية، حيث يعتبر البر بالوالدين سلوكًا يعكس التربية الصالحة، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومستقر.
الخاتمة
إن بر الوالدين والإحسان إليهما ليس مجرد واجب ديني فحسب، بل هو من أعظم القيم الإنسانية التي يجب أن يسعى كل فرد إلى تحقيقها في حياته. في طاعة الوالدين وبرهما، يكون الإنسان قد أدرك قيمة الاحترام والتقدير الحقيقي، وفهم معنى الوفاء لمن منحوه الحياة وأوصلوه إلى بر الأمان. فمن خلال هذا البر، يتحقق للإنسان خير الدنيا والآخرة، ويحقق الاستقرار الأسري والاجتماعي، فيكون بذلك قد قدم مثالًا يُحتذى به في الإحسان والمودة.
